Close

التقييم و القيمية

عندما قررت أن أكتب هذه المقالة أردت أن أكتب عن ال curating فاضطررت أن استعين بصديقة لكي تترجم لي هذه الكلمة باللغة العربية لأنني عادةً عندما أكتب، أبحث وأتكلم عن الفن أستخدم اللغة الانكليزية. فقدمت لي ترجمتين مختلفتين للكلمة- ‘التنسيق’ و’التقييم’. عندها قمت بترجمتهما إلى اللغة الإنجليزية دون وعي، وشعرت بعدم اكتمال بكلتا الكلمتين. تلمح كلمة التنسيق إلى اختصاص إداري يركز على الجوانب التنظيمية، بينما تشير كلمة التقييم  إلى تحديد وتقييم فكرة أو قيمة. وهي في رأيي لا تشمل الاتساع المطلوب لفهمها بالكامل.  في الحقيقة، لا اسعى للتطرق إلى هذا النقاش من خلال كتابتي اليوم، لذا فلنتركه لفرصة قادمة.. و لكن في سياق هذا المقال، اخترت أن أستخدم هذه الكلمات: التقييم- curating – وقيّم/ة- curator – والقيمية – curatorial.  

 

منذ التسعينيات شهدنا تطوراً جديداً في مجال الفنون وهو استخدام كلمة القيمية بشكل متزايد. هذا يدفعني لأن أتساءل ما هو الفرق بين التقييم والقيمية؟ وما هي الاحتمالات الجديدة التي تطرحها القيمية كممارسة مستجدة.

 

 أصبح التقييم نشاطاً أساسيا ومحوري في مجال الفنون والثقافة. التقييم هو سلسلة من الممارسات المهنية التي تتعلق بإعداد المعارض وأنماط العرض الأخرى التي تحدث عادة في بيئة مؤسسية مثل متحف أو معرض أو بينالي (Biennial).  يتمحور التقييم حول  الأفعال المختلفة التي تنتج خلال تقديم معرض لعرض الأعمال الفنية. هذا يشمل عملية اختيار الأعمال الفنية وتنظيمها وتقديمها للعرض. لكن القيمية في مجال الفن أصعب للتحديد بهذه الدقة.  ما اسعى إليه عبر هاته المقالة، ليس فرض تعريف أو ترسيخ لمعنى القيمية وإنما هو تتبع لمعالمها نابع من فضول يرجو طرح وإستكشاف احتمالاتها.

 

 القيمية لا ترتبط فقط بعرض الأعمال الفنية إنما تعنى أيضا بمنهجيتها وأشكالها المتنوعة ودائمة التطور ومنتجاتها العديدة.  تُعتبر القيمية ممارسة تتمحور حول مشاريع طويلة المدى ، فهي تعليمية ومحفزة على النقاش وتشمل التعاون مع العديد من الأشخاص كفاعلين وممثلين.لا تُعنى القيمية بالمنتجات الملموسة بالضرورة. من هذا المنظور, القيمية تقدم إمكانات مختلفة لخلق مفاهيم جديدة  فهي تبتعد عن التصنيفات و المبادئ والممارسات المفروضة والمعتادة، لأنها لا تركز فقط على استنساخ موضوعات مسيطِرة وهياكل سلطوية، بل تطمح لطرح سرديات جديدة. فبدلاً من اعتبار المعرفة شيئاً ثابتاً، تسعى القيمية إلى تحديد فجوات معرفية، وإعادة رسم الروابط بين المجالات غير المرتبطة لخلق مجموعة جديدة من العلاقات والروابط مولدةً بذلك معارف جديدة جديدة من المعرفة. تتجنب القيمية المسارات المُكتشَفة مسبقاً وتبذل جهداً لتحديد طرق جديدة للوصول إلى ما هو غير مألوف. وعندما نألف هذه الطرق، تُعيد القيمية اكتشافها مجددًا، خالقة مسارات جديدة. فبالتالي تفكك القيمية المسلّمات وتوفر مساحة من الحرية لنقد المؤسسات والممارسات المعتادة في التقييم. أستعين هنا  باقتباس ايريت روجوف:(“القيمية” هي ​​التفكير والتفكير النقدي الذي لا يتسرع في تجسيد نفسه، ولا يتسرع في تمكين نفسه. إنما يسمح لنا بالبقاء مع الأسئلة حتى توجهنا في اتجاه ما لم نكن قادرين على التنبؤ به مسبقاً)1.

 

يعتبر ظهور هذا التطور من التقييم إلى القيمية بمثابة استجابة للقيود المرتبطة بالممارسات الحالية في مجال صناعة المعارض. فتطرح القيمية أنماطاً بديلة للعمل وإنتاج المعرفة ومنهجيات البحث.  أحد إمكانيات هذا التطور هو توسيع نطاق الحوار من الدوائر الفنية والثقافية ليشمل أيضاً الدوائر الاجتماعية والسياسية. كلُّ هذا لديه القدرة على أن يتيح الفرصة لظهور مفاهيم جديدة وإنشاء مدارك بديلة للتعامل مع جوانب عالمنا المختلفة، لتظهر احتمالات جديدة غير مكتشفة مسبقاً.

من التغيرات الهامة الناتجة عن تطور القيمية هي تحول دور القيّم/ة إلى دور إبداعي وابتكاري ت/يخلق من خلاله قيمة فنية وثقافية. هذا التغير قد أثار الجدل حول الفرق بين دور الفنان/ة ودور القيّم/ة في هذا السياق الجديد. وأدى هذا التغير أيضًا إلى انتقادات مختلفة إحداها أن القيمية تولي شخصية القيّم/ة الفني مساحة تأثير وسلطة أكبر من مساحة الفنان حيث منشأ الفن.

 

أرى أن انتقاداتٍ كهذه ما هي إلا مؤشر وانعكاس عن قدرة القيمية على تجاوز الممارسات والمنهجيات وهياكل السلطة الموجودة مسبقاً. فتنطلق القيمية لإيجاد طرق جديدة للتفكير والعمل والتعاون. وبالرغم من أن القيمية قد تشكل تهديداً للبعض، إلا أنني آملُ إنها ستوسع مداركنا وتغنينا باحتمالات أكثر احتمالات راديكالية. في الختام، أردد كلام إسزتر سكزس عندما تقول أن القيمية تقدم اتجاهًا و طريقًا للتقدم، وتذكرنا بأن التركيز يجب أن يكون على العلاقة ما بين القيمية  والتقييم وليس على الاختلافات بينهما2.

 

 

1. Irit Rogoff (2006) ‘Smuggling’ – An Embodied Criticality. On https://xenopraxis.net/readings/rogoff_smuggling.pdf [Accessed on 10 April 2021].

2. Eszter Szakács (n.d.). The Curatorial. On: http://tranzit.org/curatorialdictionary/index.php/dictionary/curatorial/ [Accessed on 10 April 2021].


Cyrus Karibu: Slay Queen (2018).
Photo: SMAC Gallery.

Online | 27 January to 28 February 2021 | Free Access

ON | OFF

Exhibition | Artists | Program
Presenting artists an curators working with e-waste as artistic material.

An TASAWAR Project.